فصل: الباب الأول

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


 المقالة السادسة فيما يكتب في الوصايا الدينية والمساحات والإطلالقات السلطانية والطرخانيات وتحويل السنين والتذاكر

وفيها أربعة أبواب‏:‏

 الباب الأول

  الفصل الأول فيما لقدماء الكتاب من ذلك

اعلم أنه كان لقدماء الكتاب بذلك عناية عظيمة بحسب ما كان للملوك من الإقبال على معالم الدين ومن أكثرهم عناية بذلك أهل الغرب‏:‏ لم يزالوا يكتبون بمثل ذلك إلى نواحي ممالكهم ويقرأ على منابرهم ولم في ذلك الباع الطويل والهمة الوافرة‏.‏

وهذه نسخة من ذلك كتب بها أبو زيد الداراري‏:‏ أحد كتاب الأندلس عن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين المنصور‏:‏ أحد خلفاء بني أمية بالأندلس وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلين تتفرع عنهما مصالح الدنيا والدين وأمر بالمعروف والإحسان إرشاداً إلى الحق المبين والصلاة على سيدنا محمد الكريم المبتعث بالشريعة التي طهرت القلوب من الأدران واستخدمت بواطن القلوب وظواهر الأبدان طوراً بالشدة وتارة بالين القائل - ولا عدول عن قوله عليه السلام -‏:‏ ‏"‏ من اتقى الشبهات استبرأ لدينه ‏"‏ تنبيهاً على ترك الشك لليقين وعلى آله الكرام أعلام الإسلام المتلقين راية الاهتداء في إظهار السنن وإيضاح السنن باليمين الذين مكنهم الله تعالى في الأرض فأقاموا الصلاة وآتوا والرضا عن الأئمة المظهرين للدين المتين البالغين بالبلاد والعباد نشراً للعدل وإتماماً للفضل إلى أقصى غاية التمهيد والتأمين رضي الله عنهم أجمعين‏!‏ وعن تابعيهم بإحسان إلى يوم الدين‏!‏‏.‏

وإنا كتبناه لكم - كتب الله لنا اتباعاً إلى ما ينهى عنه من المصالح إليكم واستماعاً إلى ما يتلى من المواعظ عليكم - من حضرة إشبيلية - كلأها الله -‏.‏

والذي نوصيكم به تقوى الله تعالى والعمل بطاعته والاستعانة به والتوكل عليه وأن تعلموا أنا لم نقم هذا المقام الذي حفظ الله به نظام الحق من انتثاره وأمدنا بعونه الجميل على إحياء الدين وإفاضة أنواره إلا لنستوفي كل نظر يعود على الأمة باستقامة أخراها وأولاها ونهيب بها إلى أسمى رتب السعادة وأعلاها ونوقظ بصائرها بنافع الذكرى من كراها‏.‏

فعلينا لها بحكم ما تقلدناه من إمامتها وتحملناه من أمانتها أن نتخولها بالحكمة والموعظة الحسنة ونرشدها إلى المناهج الواضحة والسبل البينة ونضفي على خاصتها وعامتها ظل الدعة والأمنة وإذا كنا نوفيها تمهيد دنياها ونعتني بحماية أقصاها وأدناها فالدين أهم وأولى والتهمم بإحياء شرائعه وإقامة شعائره أحق أن يقدم وأحرى وعلينا أن نأخذ بحسب ما نأمر به وندع السنن المشروعة ونذر البدع ولها أن لا ندخر عنها نصيحة ولا نبغها إرادة من الأدواء مريحة ولنا عليها أن تطيع وتسمع وقد علم الله أنا لم نتحمل أمانة الإسلام لنستكثر من الدنيا وزخرفها ولم نتصدى لهذا المقام لنستأثر بنعيمها وترفها وإنما كان قصدنا قبل وبعد إقامة الكافة في أوثر قراها وأوطإ كنفها وبحسب هذه النية التي طابقها العمل ولم يتعد الأمل نيلت من الخيرات نهايات كانت الخواطر تستبعد منالها وتيسرت إرادات كانت الأمة منذ زمان لم تر مثالها وساعدت العناية الربانية فلم تؤن مقصوداً جميلاً ولا مناً جزيلاً‏.‏

وإلى هذا - أدام الله كرامتكم - فإنا لم نزل مع طول المباشرة للأحوال كلها وتردد المشاهدة لعقد الأمور وحلها نقف وقوف المتأمل على جزئيات الأمور وكلياتها ولا يغيب عن تصفحنا وتعرفنا شيء من مصالح الجهات وكيفياتها ولم نمر بمائل إلا تلينا إقامته وأعدنا إليه اعتداله واستقامته ولا انتهينا إلى صواب قول أو عمل إلا شدنا مبناه وأظهرنا لفظه ومعناه‏.‏

والآن حين استوفى إشرافنا على البلاد قاطبة ولزمنا بكم قيام الله في خلقه أن نتعهد الكافة دانية ونائية وشاهدة وغائبة ورجونا أن نتخلص من القسم الأول في قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ‏"‏ بأعمال على الرفقة دائبة وعلى الحق مواظبة صرفنا أعنة الاعتناء بجوامع المصالح فرأينا الدين ينظم تبددها ويستوعب تعددها لا تشذ مصلحة عن قوانينه ولا تنال بركة إلا مع تحصينه وتحسينه والله تعالى يعيننا وإياكم على إقامة حدوده وإدامة عهوده‏.‏

وأول ما يتناول به الأمر كافة المسلمين الصلاة لأوقاتها والأداء لها على أكمل صفاتها وشهودها إظهاراً لشرائع الإيمان في جماعاتها فقد قال عليه السلام‏:‏ ‏"‏ أحب الأعمال إلى الله الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ومن ضيعها فهو لما سواه أضيع ‏"‏‏.‏

وقال عمر رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ‏"‏ فهي الركن الأعظم من أركان الإيمان والأس الأوثق لأعمال الإنسان والمواظبة على حضورها في المساجد وإيثار ما لصلاة الجماعة من المزية على صلاة الواحد أمر لا يضيعه المفلحون ولا يحافظ عليه إلا المؤمنون‏.‏

قال ابن مسعود رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏ لقد رأيتنا وما يتخلف عنا إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ‏"‏ وشهود الصبح والعشاء الآخرة شاهد بتمحيص الإيمان وقد جاء‏:‏ ‏"‏ إن شهود الصبح في جماعة يعدل قيام ليلة ‏"‏ وحسبكم بهذا الرجحان‏.‏

والواجب أن يعتنى بهذه القاعدة الكبرى من قواعد الدين ويؤخذ بها في كافة الأمصار الصغير والكبير من المسلمين ويلحظ في التزامها قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر سنين ‏"‏‏.‏

وبحب ذلكم رأينا أن نلزم جار كل مسجد وأمير كل سوق وشيخ كل زقاق ومعلم كل جهة الانتداب لهذا السعي الكريم والبدار لما فيه من الأجر العظيم وأن يحض كل من في جهته أو سوقه أو حومة مسجده أو موضع صنعته أو تجارته أو تعليمه على الصلاة وحضورها والاعتناء بأحكام طهورها وأن لا يتخلف عن الجماعة إلا لعذر بين أو أمر يكون معه الشهود غير ممكن‏.‏

وعليهم أن يلتزموا هذه الوظيفة أتم التزام ويقوموا بها مؤتجرين أحسن قيام ويشمروا على ساعد كل جد واعتزام ويتعرفوا كل من تحتوي عليه المنازل ممن بلغ حد التكليف من الرجال ويتعهدوهم الحين بعد الحين والحال إثر الحال ويطلبوهم بالذكر بملازمة هذا العمل الذي قدمه الله على سائر الأعمال‏.‏

وليحذر المسلم أن يواقع بإضاعة المكتوبة أمراً إمراً ويترك من فرائض الإسلام ما يقتل متعمد تركه حداً أو كفراً‏.‏

وعلى معلمين كتاب الله أن يأخذوا الصبيان بتعلم الصلاة والطهارة والإدامة لإقامتها والموالاة وحفظ ما تقام به وأقل ذلك سورة فاتحة الكتاب‏.‏

وعلى كل إنسان في خاصته أن يأخذ صغار بنيه وكبارهم وسائر أهله ومن إلى نظره بذلك ويأمرهم به قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ‏"‏ وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ‏"‏‏.‏

ثم اعلموا أن الصلاة بما آثرها الله به من وظائفها الشرفة وخصائصها المنيفة تنظم من أعمال البر ضروباً لا تحصر وتعصم من مواقعة ما يشنأ وينكر وتحظي من الخيرات العميمة الجسمية بالقسم الأوفى الأوفر قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ‏"‏‏.‏

ونحن لا نوسع تاركها بحال عذراً ولا نؤخر له عقاباً وزجراً ولا نزال نجبره على إقامتها قسراً وإذا استمر التعهد لها مع الأحيان وعمل الناس بما جددناه من إجراء التذكير بها بين القرابة والصحابة والجيران وتواصوا بالمحافظة عليها حسب الإمكان لم تزل بيوت أذن الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه معمورة بتلاوة القرآن ولم تنفك إلا للإقامة عن الأذان‏.‏

ومما يزيد في هذه الوظيفة تأكيداً ويوفي قواعدها تشييداً درس كتاب الصلاة والطهارة حتى يستكملوه وعياً وحفظاً ويؤدوا مضمنه لفظاً فلفظاً ففي ذلك من الإشراف على أحكام العبادتين ما تبين مزيته وفضله ولا يسع المؤمن بحال جهله ثم إذا أحكموه انتقلوا إلى درس كتاب الجهاد وعمروا الآناء بتعرف ما أعد الله للمجاهدين من الخير المستفاد فالجهاد في سبيل الله فرض على الأعيان وقد تأكد تعيينه لهذه البلاد المجاورة لعبدة الأصنام والصلبان ونرجو أن ينجز الله ما وعد به من الفتح القريب لأهل الإيمان وليطلبوا الناس بعرض ما يتدارسون تثبيتاً لمحفوظاتهم واستزادة لقسمهم من الأجر وحظوظهم‏.‏

ومن مقدمات الجهاد وأقوى أسباب الاعتداد تعلم الرماية التي ورد الحض عليها وندب الشرع إليها‏.‏

قال عليه السلام في قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ‏"‏ ‏"‏ ألا إن القوة الرمي ‏"‏ قالها ثلاثاً‏:‏ فأظفروا الناس بتعلمهم ولترتبوهم طبقات على قدر إجادتهم وتقدمهم قال عليه السلام‏:‏ ‏"‏ من ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها أو قال كفرها ‏"‏ وقال عليه السلام‏:‏ ‏"‏ من رمى بسهم في سبيل الله فبلغ العدو أو لم يبلغ كان له كعتق رقبة ‏"‏‏.‏

وليعلموا أنهم يطلبون في وقت الحاجة بما يثمره هذا التأكيد من بذارهم ويترتب عليه من ائتمارهم وليحرصوا على أن يلفى عددهم وافراً في حالتي إيرادهم وإصدارهم‏.‏

ومما فيه مصلحة كريمة الأثر واضحة الحجول والغرر يكون ذكرها جميلاً وأجرها جزيلاً تعهد الضعفاء والفقراء وإسهامهم من الكثير كثيراً ومن القليل قليلاً بحسب الإصابة والرخاء ووضع الصدقات في أهل التعفف الذين لا يسألون الناس إلحافاً أول ما يجيء حين العطاء فقد قال النبي عليها الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏ ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس فترده التمرة والتمرتان وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس ‏"‏ فتفقدوا هذا الصنف فه أولى بالإيثار وأحق أهل الإقتار والمؤمنون إخوة ويعنى الجار بالجار وليعن الغني الفقير فذلك من مكارم الآثار‏.‏

والأمر بالمعروف وانهي عن المنكر وظيفة تعينت إقامتها على المسلمين جميعاً فمن رأى منكراً فلينهه إليكم وعليكم تغييره وتعفية أثره على ما يوجبه الدين ويقتضيه وليأخذوا الحق من تعين عليه سواء في ذلك القوي والضعيف والمشروف والشريف وكل من ارتكب منكراً كائناً من كان عز قدره أو هان فليبالغ في عقابه وينكل على قدر ما ارتكب من المنكر وأتى به فقد قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏ إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وإنني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ‏"‏ وقال لأسامة في الحديث نفسه‏:‏ ‏"‏ أتشفع في حد من حدود الله ‏"‏ وقد حد عمر رضي الله عنه ولده وحد عثمان الله عنه أخاه فلتكن هذه الوظيفة منكم بمرأى ومسمع ولتسلكوا في إقامتها على الخامل والنبيه أوضح مهيع ووفوا المعروف حقه من الإظهار وتلقوا المنكر بأتم وجوه الإنكار ثم عليكم أجمعين بالتواصي بالخير والتعاون على البر والتقوى‏:‏ ‏"‏ ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ‏"‏‏.‏

وقال عليه السلام‏:‏ ‏"‏ لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تجسسوا وكونوا عباد الله إخواناً ‏"‏‏.‏

وبالجملة فعلى المؤمن أن يستنفد وسعه في الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف من بعده ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ولم ينشأ ما نشأ من الأهوال ولا طرأ في هذه الأمة ما طرأ من الاختلال إلا بمفارقة الإقتداء الذي هو للدين رأس المال ورضي الله عن عمر حيث قال‏:‏ ‏"‏ فرضت الفرائض وسنت السنن وتركتم على الواضحة إلا أن تضلوا بالناس يميناً وشمالاً ‏"‏‏.‏

ومن أشد المنكرات - بغير نكير - وجوب تغيير‏:‏ الخمر التي هي أس الإثم والفجور وأم الخبائث والشرور وأس كل خطيئة ورأس كل محظور فليشتد أتم الاشتداد في أمرها ويبحث غاية البحث عن مكامن عصرها ويتفقد الأماكن المتهمة ببيعها ويتسبب بكل وجه وكل طريق إلى قطعها وليبادر حيث كانت إلى إراقة دنانها وليبالغ إلى أقصى غايات الاجتهاد في شأنها وإن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه فليتق الله مدمن شربها فإنها رجس من عمل الشيطان وليحذر ما في قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ لا يشرب المؤمن الخمر حين يشربها وهو مؤمن ‏"‏ من إخراجه عن أهل الإيمان وشرب الخمر لجاج في الطبع فلا خير فيها مع الاعتناء المبني على الشرع ولو نهي الناس عن فت البعر لفتوه حرصاً غالباً على ما تقدم فيه من الرجز والمنع فمن عثر عليه بعد من شارب لها أو عاصر مستسر بها أو مجاهر فليضرب الضرب المبرح ويسجن السجن الطويل وليبق إلى أن تصح توبته صحة لا تحتمل التأويل ثم إن عاد فالحسام المصمم يحسم داءه إذا أعضل ويصد به سواه عما استحل من هذا الحرام واستسهل‏.‏

ومن أشد ما حذر منه وأكد النهي عنه كتب الفلسفة لعن الله واضعها‏!‏ فإنهم بنوها على الكفر والتعطيل وأخلوها من البرهان والدليل وعدلوا بها ضلالاً وإضلالاً عن سواء السبيل وجعلوها تكأة لعقائدهم ومقاصدهم المخيلة ركوناً إلى الباطل وتمسكاً بالمستحيل وقد كان سيدنا الإمام المنصور رضي الله عنه قد جد فيها بالتحريق والتمزيق وسد بإمضاء عزمه المسدود ورأيه المؤيد وجوه طلابها بكل طريق فحسبنا أن نقتدي في ذلك بأثره الجميل ونأخذ في إحراقها حيث وجدت وإهانة كاتبيها وطالبيها وقاريها ومقريها ولا يعدل عن السيف في عقاب من انتحلها واستوهبها - وإن السيف في حقه لقليل وقد قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏ تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما‏:‏ كتاب الله وسنة نبيه ‏"‏ وبحسب العاقل كتاب الله وسنة الرسول‏.‏

ويتعلق بهذا المنهي عنه ما استرسل فيه مردة أهل الأهواء والمتنكبون فيما تلبسوا به من الأدران عن سنن الاهتداء أولئك قوم اعتقدوا إباحة المحظورات كلها وعدوا بإيهاماتهم السخيفة وتخيلاتهم الضعيفة كل واهي العقد منحلها وادعوا أنهم من الملة وأعمالهم تقضي بأنهم ليسوا من أهلها فليبحث عن ذلك الصنف الأول وهذا الثان فمذهبنا أن نطهر دين الله مما لصق به من الأدران وأن نعيده إلى ما كان عليه قبل والله المستعان‏.‏

ومن الوظائف التي يجب أن تعتنوا بها غاية الاعتناء وأن تقدموا النظر فيها على سائر الأشياء أمر أسواق المسلمين فقد اتصل بنا ما تطرق للتجارات من مسامحات تعفي عليها الخدع ولا ينثرها إلا الحرص والطمع ولا توافق الشرع ولا يطابقها الورع حتى شاب أكثر المعاملات الفساد ولا يجري على القانون الشرعي في كثير من المبايعات الانعقاد وتصدى المتحيلون فيها لحيل يقصدونها وأنواع لاجتلاب السحت يرصدونها وربما ورد التاجر من القطر الشاسع وحسن الظن بالمشتري منه أو البائع ويرتكب من محرم الخلابة ما ليس بالسائغ وسمع من ذلك أن من لا يتفي الله تعالى يلابس الربا في تجارته ويبني عليه جميع إداراته وحفظ المكاسب من الخبائث أوجب الواجبات والحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات ويمحق الله الربا ويربي الصدقات فلتلزموا الأمناء المعروفين بالديانة المشهورين بالأمانة تفقد هذه الأسواق وليمحص كل أمين من تشتمل عليه سوقه من التجار وليعرف المختار منهم من غير المختار ومن لا يصلح للتجارة في سوق المسلمين يقام منها على أسوء حال ومن عثر منهم على رباً في معاملته عاجلتموه بأشد العقاب وأسوإ النكال فخلصوا المتاجر من الشوائب ومروهم بأن يسيروا في بيعهم وشرائهم واقتضائهم على أجمل المذاهب وأن يحذروا الغش فقد قال عليه السلام‏:‏ ‏"‏ من غشنا فليس منا ‏"‏ والانتفاء من الإيمان من أعظم المصائب وإذا اعتبرت في المبايعات الوجوه الشرعية ولحظت الأحكام زكى الله عمل التاجر وبورك له فيما يدير من المتجر‏.‏

ثم لتوصوا كل من تقدمونه لشغل من الأشغال أن يبدأ بصلاح نفسه قبل سواها وأن يلتزم الأعمال التي يؤثرها الله تعالى ويرضاها وحذروهم كل الحذر أن تقفوا لهم على ما يشين أو تسمعوا لهم قبيحاً يخفى أو يبين فمن سمعتم عنه أدنى سبب من هذا فعاجلوه بالعقاب الشديد والنكال المبيد إن شاء الله تعالى والسلام‏.‏

قلت‏:‏ وعلى هذه المعاني والأمور المأمور بها في هذا الكتاب قد كانت الخلفاء تكتب بها في المكاتبات على أنحاء متفرقة على ما تقدم في مقاصد المكاتبات من المقالة الرابعة وكانوا يولون على الصلاة والمساجد من يقوم بأمرها على ما تقدم وإن أكثر هذه الأمور الآن مضمنة في تواقيع أصحاب الحسبة على ما تقدم ذكره في الكلام على الولايات في المقالة الخامسة وبالله التوفيق‏.‏

  الفصل الثاني من الباب الأول من المقالة السادسة فيما يكتب من ذلك في زماننا

وهو قليل‏:‏ لقلة الاعتناء بأمر الدين والاكتفاء في ذلك بالتفويض إلى متولي الحسبة إلا أنه ربما كتب في ذلك في الأمور المهمة عند تعدي الطور في أمر من الأمور الدينية والخروج فيه عن الحد‏.‏

ثم هو على ضربين‏:‏ الضرب الأول ما يكتب عن الأبواب السلطانية وهذه نسخة توقيع شريف من هذا النوع كتب به في الأيام‏.‏

أن لا يباع على أهل الذمة رقيق حين كثر شراء أهل الذمة من اليهود والنصارى العبيد والجواري وتهويدهم وتنصيرهم‏.‏

الضرب الثاني مما يكتب في الأوامر والنواهي الدينية ما يكتب عن نواب السلطنة بالممالك وهذه نسخة توقيع كريم بمنع أهل صيدا وبيروت وأعمالهم من اعتقاد الرافضة والشيعة وردعهم والرجوع إلى السنة والجماعة واعتقاد مذهب أهل الحق ومنع أكابرهم من العقود الفاسدة والأنكحة الباطلة والتعرض إلى أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وأن لا يدعوا سلوك طريق أهل السنة الواضحة ويمشوا في شرك أهل الشك والضلال وأن كل من تظاهر بشيء من بدعهم قوبل بأشد عذاب وأتم نكال وليخمد نيران بدعهم المدلهمة وليبادر إلى حسم فسادهم بكل همة وتصريفهم عن التهوك في مهالك أهوائهم إلى ما نص عليه الشرع واعتبره وتطهير بواطنهم من رذالة اعتقادهم الباطل إلى أن يعلنوا جميعهم بالترضي عن العشرة وليحفظ أنسابهم بالعقود الصحيحة وليداوموا على اعتقاد الحق والعمل بالسنة الصريحة - في خامس عشرين جمادى الآخرة سنة أربع وستين وسبعمائة وهي‏:‏ الحمد لله الذي شرع الحدود والأحكام وجدع بالحق أنوف العوام الأغتام الطغام وجمع الصلاح والنجاح والفلاح في الأخذ بسنة خير الخلق وسيد الأنام وقمع الزائغين عما عليه أهل السنة من الحق في كل نقض وإبرام‏.‏

نحمده على نعمه الجسام ومننه التي تومض بروقها وتشام وآلائه التي لا تسأم ولا تسام ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ليس لمن تمسك بعروتها الوثقى انفصال ولا انفصام ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى الملك العلام والهادي إلى الحق بواضح الإرشاد والإعلام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين هم أئمة الإسلام وهداة الخلق إلى دار السلام خصوصاً أبا بكر الصديق الذي سبق الناس بما وقر في صدره لا بمزية صلاة ولا بمزيد صيام وعمر بن الخطاب الذي كان له في إقامة الحق أعظم مقام ومن أهل الصلاح والفساد انتقاء وانتقام وعثمان بن عفان الذي جمع القرآن فحصل لشمل سوره وآياته بما فعل أحسن التئام وأنفق ماله محتسباً لله تعالى فحاز من الثواب رتبة لا ترام وعلي بن أبي طالب الذي كان صهر النبي صلى الله عليه وسلم وابن عمه ووارث علمه اللهام والمجادل عن دينه بالعلم والمجاهد بين يديه بالحسام والباقين من العشرة الكرام صلاة تستمد بركاتها وتستدام وينمو فضلها بغير انقضاء ولا انصرام‏.‏

وبعد فإن الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بشرع الذي ارتضاه ودينه الذي قضاه وحكمه الذي أبرمه وأمضاه فبلغ الرسالة وأوضح الدلالة وأفصح المقالة وجاهد في الله طوائف الأعداء وأمال الله تعالى إلى قبول قوله وتصديقه من سبقت له العناية من الأوداء ونصره على مخالفيه من المشركين والحاسدين حتى مات كل منهم بما في نفسه من الداء وبين الطريق وبرهن على التحقيق فأعلن النذارة والبشارة ومهد قواعد الدين تارة بالنص وتارة بالإشارة تم الدين بإحكام أحكامه وشيدت قواعده بإعلاء أعلامه وعمت الدعوة وتمت وفشت الهداية ونمت ودخل الناس في الدين أرسالا وبلغت نفوس المؤمنين من إعلاء كلمة التوحيد آمالا وأصبحت الخيرات والبركات تتواتر وتتوالى وخمدت نار الشرك وطفئت مصابيح الضلالة ووحد الله تبارك وتعالى‏.‏

فلما تكامل ما أراد الله تعالى إظهاره في زمانه وتم ما شاء إبرازه في إبانه وأعلنت الهداية ومحيت الغواية وقام عمود الدين ودحضت حجة الملحدين واستوسق أمر الإسلام واستتب وتبت يدا مناوئه وتب - اختار الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم جواره وقربه فقضى نحبه ولفي ربه فقام خلفاؤه بعده بآثاره يقتدون وبهديه وإرشاده يهتدون ولأحكامه يتبعون ولأوامره يستمعون ولمعاني ما جاء به يعون وإلى قضاياه يرجعون لا يغيرون ولا يبدلون ولا يتعرضون ولا يتأولون فقضى على ذلك الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون لم يتبع أحد منهم في زمانهم عقيدة فاسدة ولم يظهر أحد مقالة عن سواء السبيل حائدة ثم تفرقت الآراء وتعددت الأهواء واختلفت العقائد وتباينت المقاصد ووهت القواعد وتصادمت الشواهد وتفرقت الناس إلى مقر بالحق وجاحد وظهرت البدع في المقالات وضل كثير في كثير من الحالات وتهافت غالبهم في الضلالات وقال كل قوم مقالة تضمنت أنواعاً من الجهالات وكان من أسخفهم عقلاً وأضعفهم نقلاً وأوهنهم حجة وأبعدهم من الرشد محجة طائفة الرافضة والشيعة لارتكابهم أموراً شنيعة وإظهارهم كل مقالة فظيعة وخرقهم الإجماع وجمعهم قبيح الابتداع فتبددوا فرقاً وسلكوا من فواحش الاعتقادات طرقاً وتنوع ناسهم وتعددت أجناسهم وتجرأوا على تبديل الدين وأقدموا على نبذ أقوال الأئمة المرشدين وقالوا ما لم يسبقوا إليه وأعظموا الفرية فيما حملوا كلام الله ورسوله - عليه السلام - عليه وباؤوا بإثم كبير وزور عظيم وعرجوا عن سواء السبيل فخرجوا عن الصراط المستقيم وفاهوا بما لم يفه به قبلهم عاقل وانتحلوا مذاهب لا يساعدهم عليها نقل ناقل وتخيلوا أشياء فاسدة خالهم فيما نخيلهم أسوأ من حال باقل وتمسكوا بآثار موضوعة وحكايات إلى غير الثقات مرفوعة ينقل عن أحدهم ما ينقله عن مجهول غير معروف أو عمن هو بالكذب والتدليس مشهور وموصوف فأداهم ذلك إلى القول بأشياء - منها ما يوجب الكفر الصراح ويبيح القتل الذي لا حرج على فاعله ولا جناح - ومنها ما يقتضي الفسق إجماعاً ويقطع من المتصف به عن العدالة أطماعاً - ومنه ما يوجب عظيم الزجر والنكال - ومنها ما يفضي بقائله إلى الويل والوبال‏.‏

لعب الشيطان بعقولهم فأغواهم وضمهم إلى حزبه وآواهم ووعدهم غروراً ومناهم وتمنوا مغالبة أهل الحق فلم يبلغوا مناهم مرقوا من الدين وخرقوا إجماع المسلمين واستحلوا المحارم وارتكبوا العظائم واكتسبوا الجرائم وعدلوا عن سواء السبيل وتبوأوا من غضب الله شر مقيل‏.‏

مذهبهم أضعف المذاهب وعقيدتهم مخالفة للحق الغالب وآراؤهم فاسدة وقرائحهم جامدة والنقول والعقول بتكذيب دعاويهم شاهدة لا يرجعون في مقالاتهم إلى أدلة سليمة ولا يعرجون في استدلالهم على طريق مستقيمة يعارضون النصوص القاطعة ويبطلون القواعد لمجرد المنازعة والمدافعة ويفسرون كلام الله تعالى بخلاف مراده منه ويتجرأون على تأويله بما لم يرده الله ولم يرد عنه فهم أعظم الأمة جهالة وأشدهم غواية وضلالة ليس لهم فيما يدعونه مستند صحيح ولا فيما ينقلونه نقل صريح‏.‏

فلذلك كانوا أقل رتبة في الناظرة وأسوأ الأمة حالاً في الدنيا والآخرة وأحقر قدراً من الاحتجاج عليهم وأقل وضعاً من توجيه البحث إليهم أكابرهم مخلطون وأصاغرهم مثلهم ومعظمهم مخبطون بل كلهم ليس لأحد منهم حظ في الجدال ولا قدم في صحة الاستدلال ولو ‏"‏ ولب أحد منهم بصحة دعواه لم يجد عليها دليلاً ولو حقق عليه بحث لم يلق إلى الخلاص سبيلاً غاية متكلمهم أن يروي عن منكر من الرجال مجهول ونهاية متعلمهم أن يورد حديثاً هو عند العلماء موضوع أو معلول يطعنون في أئمة الإسلام ويسبون أصحاب النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ويدعون أنهم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو بريء منهم منزه عما يصدر عنهم فقدره أرفع عند الله والناس ومحله أعلى بالنص والقياس ويحرم أن ينسب إليه الرضا بهذه العقائد أو التقرير لهذه المفاسد فإن طريقته هي المثلى وسيرته هي العليا فالأخذ بالحق إليه يؤول والصواب معه حيث يفعل أو يقول ولا يصح نقل شيء من هذا عنه ولا يحل نسبه شيء إليه منه ومنصبه أجل من ذلك ومكانه أعز مما هنالك غير أن هؤلاء يعرض لأحدهم في دينه شبهة يقلد فيها مثله في الضلالة وشبهه ويتردد في نفسه من الغم برهة لا يجد لخلاصه منها وجهة ولا يوجه قلبه إلى طلب النجاة منها وجهه ولا يقع نظر بصيرته على طريق الصواب ولا يحقق كنهه فيرتكب خطراً يوجب توبيخه في القيامة وجبهه وتسود في الموقف ناصية منه وجبهة ويعدم لتحيره في الضلال عقله وفهمه وفقهه قد صرفوا إلى الطعن في العلماء ومخالفة رب الأرض والسماء همهم وهممهم وافتروا على الله كذباً فذمهم وأباح دمهم وقال لسان حال أمرهم أرى قدمهم أراق دمهم وهان دمهم فها ندمهم‏.‏

وقد بلغنا أن جماعة من أهل بيروت وضواحيها وصيدا ونواحيها وأعمالها المضافة إليها وجهاتها المحسوبة عليها ومزارع كل من الجهتين وضياعها وأصقاعها وبقاعها قد انتحلوا هذا المذهب الباطل وأظهروه وعملوا به وقرروه وبثوه في العامة ونشروه واتخذوا ديناً يعتقدونه وشرعاً يعتمدونه وسلكوا منهاجه وخاضوا لجاجه وأصلوه وفرعوه وتدينوا به وشرعوه وحصلوه وفصلوه وبلغوه إلى نفوس أتباعهم ووصلوه وعظموا أحكامه وقدموا حكامه وتمموا تبجيله وإعظامه فهم بباطله عاملون وبمقتضاه يتعاملون ولأعلام علمه حاملون وللفساد قابلون وبغير السداد قائلون وبحرم حرامه عائذون وبحمى حمايته لائذون وبكعبة ضلاله طائفون وبسدة شدته عاكفون وإنهم يسبون خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين ويستحلون دم أهل السنة من المسلمين ويستبيحون نكاح المتعة ويرتكبونه ويأكلون مال مخالفيهم وينتهبونه ويجمعون بين الأختين في النكاح ويتدينون بالكفر الصراح إلى غير ذلك من فروع هذا الأصل الخبيث والمذهب الذي ساوى في البطلان مذهب التثليث - فأنكرنا ذلك غاية الإنكار وأكبرنا وقوعه أشد إكبار وغضبنا لله تعالى أن يكون في هذه الدولة للكفر إذاعة وللمعصية إشادة وإشاعة وللطاعة إخافة وإضاعة وللإيمان أزجى بضاعة وأردنا أن نجهز طائفة من عسكر الإسلام وفرقة من جند الإمام تستأصل شأفة هذه العصبة الملحدة وتطهر الأرض من رجس هذه المفسدة ثم رأينا أن نقدم الإنذار ونسبق إليهم بالأعذار فكتبنا هذا الكتاب ووجهنا هذا الخطاب ليقرأ على كافتهم ويبلغ إلى خاصتهم وعامتهم يعلمهم أن هذه الأمور التي فعلوها والمذاهب التي انتحلوها تبيح دماءهم وأموالهم وتقتضي تعميمه بالعذاب واستئصالهم فإن من استحل ما حرم الله تعالى وعرف كونه من الدين ضرورة فقد كفر وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ‏"‏ عطفاً على ما حكم بتحريمه وأطلق النص فتعين حمله على تعميمه وقد انعقد على ذلك الإجماع وانقطعت عن مخالفته الأطماع ومخالفة الإجماع حرام بقول من لم يزل سميعاً بصيراً ‏"‏ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ‏"‏‏.‏

ونكاح المتعة منسوخ وعقده في نفس الأمر مفسوخ ومن ارتكبه بعد علمه بتحريمه واشتهاره فقد خرج عن الدين برده الحق وإنكاره وفاعله إن لم يتب فهو مقتول وعذره فيما يأتيه من ذلك غير مقبول وسب الصحابة رضوان الله عليهم مخالف لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من تعظيمهم ومنابذ لتصريحه باحترامهم وتبجيلهم ومخالفته عليه السلام فيما شرعه من الأحكام موجبة للكفر عند كل قائل وإمام ومرتكب ذلك على العقوبة سائر وإلى الجحيم صائر‏.‏

ومن قذف عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بعدما برأها الله تعالى فقد خالف كتابه العظيم واستحق من الله النكال البليغ والعذاب الأليم وعلى ذلك قامت واضحات الدلائل وبه أخذ الأواخر والأوائل وهو المنهج القويم والصراط المستقيم وما عدا ذلك فهو مردد ومن الملة غير معدود وحادث في الدين وباعث من الملحدين وقد قال الصادق في كل مقالة والموضح في كل دلالة‏:‏ ‏"‏ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ‏"‏ فتوبوا إلى الله جميعاً وعودوا إلى الجماعة سريعاً وفارقوا مذهب أهل الضلالة وجانبوا عصبة الجهالة واسمعوا مقالة الناصح لكم في دينكم وعوا وعن الغي ارجعوا وإلى الرشاد راجعوا وإلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض باتباع السنة بادروا وسارعوا ومن كان عنده امرأة بنكاح متعة فلا يقربها وليحذر من غشيانها وليتجنبها ومن أختين في عقدين فليفارق الثانية منهما فإن عقدها هو الباطل وإن كانتا في عقد واحد فليخرجهما معاً عن حبالته ولا يماطل فإن عذاب الله شديد ونكال المجرم في الحميم كل يوم يزيد ودار غضب الله تنادي بأعدائه هل من مزيد فلا طاقة لكم بعذابه ولا قدرة إلى أليم عقابه ولا مفر للظالم منه ولا خلاص ولا ملجأ ولا مناص فرحم الله تعالى امرأً نظر لنفسه واستعد لرمسه ومهد لمصرعه ووطأ لمضجعه قبل فوات الفوت وهجوم الموت وانقطاع الصوت واعتقال اللسان وانتقال الإنسان قبل أن تبذل التوبة ولا تقبل وتذرى الدموع وتسبل وتنقضي الآجال وينقطع الأمل ويمتنع العمل وتزهق من العبد نفسه ويضمه رمسه ويرد على ربه وهو عليه غضبان وإن سخطه عليه بمخالفة أمره قد بان ولا ينفعه حينئذ الندم ولا تقال عثرته إذا زلت به القدم وقد أعذر من أنذر وأنصف من حذر فإن حزب الله هم الغالبون والذين كفروا سيغلبون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‏.‏

ألهمنا الله وإياكم رشدنا ووفق إلى مراضيه قصدنا وجمعنا وإياكم على الطاعة وأعاننا جميعاً على السنة والجماعة بمنه وكرمه‏!‏‏.‏

وهذه نسخة مرسوم كتب عن نائب المملكة الطرابلسية إلى نائب حسني الأكراد بإبطال ما أحدث بالحصن‏:‏ من الخمارة والفواحش وإلزام أهل الذمة بما أجري عليهم أحكامه من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه - في أواخر جمادى الأولى سنة خمس وستين وسبعمائة وهو‏:‏ المرسوم بالأمر العالي - لا زال قصده الشريف المثابرة على تغيير المنكر وشد أزر المنكر مشمراً في إراحة القلوب بإزاحة مواطن الفواحش‏:‏ من سفاح ومخدر وميسر ومسكر - أن يتقدم الجناب الكريم باستمرار ما وفقنا الله تعالى له ورسمنا به وأعطيناه دستوراً يجده من عمل به يوم حسابه‏:‏ من إبطال الخمارة وهدم مبانيها بحيث لا يبقى للنفس الأمارة عليها أمارة وإخفاء معالمها التي توطنها الشيطان فقطن وإزالة ما بها من الفواحش التي ما ظهر منها أقل مما بطن وإخلاء تلك البلاد من هذا الفساد الموجب لكثرة المحن والاختلاف وإراقة ما بها من الخمور التي هي رأس الإثم والشرور وإحراق كل مخدر مذموم في الشرع محذور وإذهاب اسم الحانة بالكلية بحيث لا يتلفظ به مسلم ولا كافر ولا يطمع نفسه في الترتيب عليها من هو على خزيه وبغيه مظافر‏.‏

وقد غيرنا هذا المنكر بيد أطال الله بفضله في الخير باعها وغنمنا إزالة هذه المفسدة فأحرزنا برها واصطناعها خوفاً من وعيد قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ‏"‏ ورجاء أن نكون من المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ‏"‏ وعملاً بقوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ‏"‏ وعلماً بأن أمير الرعية إذا لم يزل المنكر من بينهم فكيف يفلح في يومه وحال السؤال عنهم في غده‏.‏

وقد صار حصن الأكراد بهذه الحسنة في الحصن المنيع وأهله المتمسكون بالعروة الوثقى في مربع خصيب مريع وضواحيه مطهرة من خبث السفاح ونجاسة الخمور ونواحيه كثيرة السرور قليلة الشرور قد أعلى الله تعالى به كلمته وأجاب لصغيره وكبيره في هذا الأمر دعوته وما ذلك إلا بتوفيق من أهلنا لذلك وألهمنا رشدنا وطهرنا من هذه المفاسد تلك المسالك وله الحمد على ما وفق إليه وأعان عبده في ولايته عليه فإن المنكر إذا فشا ولم ينكر آن خراب الديار وقد قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏"‏ إن الله ليغار ‏"‏ فعند ذلك تمنع السماء درها وتمسك الأرض بذرها ويجف الضرع وييبس الزرع وتعطش الأكباد وتهلك البلاد‏.‏

فليبسط الجناب الكريم يده في إزالة ما بفي من منكر متفقداً لجليله وحقيره بالفحص الشديد وما على ذلك يحمد بكل لسان ويشكر مترقباً من يدخل إلى البلد ذلك ليقابله بالضرب بالسياط آخذاً في تتبع خلاله بالحزم والتحري والاحتياط إلى أن تصل بنا أخباره ويعلو لدينا في سياسته ونهضته مناره وتحمد عندنا إيالته وآثاره وهو بحمد الله كما نعهد شديد على كل مفسد ومعاند سديد الآثار والأثارة والمقاصد‏.‏

وأما أهل الذمة فما رفع عنهم السيف إلا بإعطاء الجزية والتزام الحكام وأخذ عهود أكيدة عليهم من أهل النقض والإبرام‏.‏

فليتقدم الجناب الكريم بإلزامهم بما ألزمهم به الفاروق رضوان الله عليه وليلجئهم في كل أحوالهم إلى ما ألجأهم إليه‏:‏ من إظهار الذلة والصغار وتغيير النعل وشد الزنار وتعريف المرأة بصبغ الإزار وليمنعوا من إظهار المنكر والخمر والناقوس وليجعل الخاتم أو الحديد في رقابهم عند التجرد في الحمام وليلزموا بغير ذلك من الأحكام التي ورد بها المرسوم الشريف من مدة أيام ومن لم يلتزم منهم بذلك وامتنع وأعلن بكفره وأعلى كلمته ورفع فما له حكم إلا السيف وغنم أمواله وسبي ذراريه وما في ذلك على مثله حيف فهاتان مفسدتان أمرنا بإلزامهما فراراً من سخط الله تعالى وحذاراً إحداهما إبطال الحانة والثانية إخفاء كلمة اليهود والنصارى‏.‏

فليتقدم الجناب المشار إليه باستمرار ما رسمنا به فهو الحق الذي لا شك فيه والنور الذي يتبعه المؤمن ويحكيه ونرجو من كرم الله تعالى استمرار هذه الحسنة مدى الأزمان واستثمار شجرها المائد الأغصان وإبطال هذا الحزن المسمى ظلماً بالفرح وأعمال السيف في عنق من ارتضاه بين أظهر المسلمين فانتهك سره وافتضح‏.‏

وليقمع أهل الشرك والضلال بما يلزم الصغار عليهم والإذلال إلى أن لا يرفع لهم راس ولا يشيدوا كيداً إلا على غير أساس وليستجلب الجناب الكريم لهذه الدولة الشريفة ولنا الدعاء من المسلمين والفقراء والصالحين والمساكين وليطب قلوبهم باستمرار ما أزلناه ومحونا آثاره وأبطلناه وقصدنا بإبطاله من تلك الأرض مسامحة من الحكم العدل يوم العرض ومن أعاد ما أبطلناه أو أعان على إعادته أو أمر بتشييده وبناء حجارته أو رتب مرتباً على خدر بغي وموه ودلس بالأفراح أو أطلق أن يباع منكر أو سول له شيطانه أنه من الأرباح فإن الله تعالى يحاكمه وهو أحكم الحاكمين وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين‏.‏